حمير المدائن

إهداء
إلى «كرمة» كرمها ظللني و أكرمني، وخرير ماء اصطفاني كرمها، وفغواني، وأس المدينة عين فياضة ألهمتني، و صحبة جياشة أوقدتني، فؤادي بها نضر، و ضميري منها عنت، حكمت لأمرهما أنيسا، وهل المنى غير الفتن. سيبقى خلود «راس العين» ذاكرة الولاية، ومذكرات الرواية، ونبض الكتابة، ونصا يخط تاريخ الحكاية.
تقديم: كذبة الحياة أو صورتنا البشعة في المرآة
هذه رواية لا تقرأ دفعة واحدة... لا تقرأ مرة واحدة...
هي رواية إشكالية من عدة زوايا، إشكالية من حيث الخيار الفني لكتابتها، إشكالية من حيث مضمونها الرئيسي وجداول الحكايات الفرعية، إشكالية من حيث اختيار شخوصها, أسمائهم ومواقعهم، وإشكالية من حيث الوظائف الرمزية / الحضارية لأحداثها.
"التراث الثقافي ليس مجرد آثار وأبنية تاريخية، بل هو روح الأمة وذاكرتها الجماعية التي تشكل هويتها وتميزها عن غيرها من الأمم."
فعلى مستوى أسلوب الكتابة تفجؤك "حمير المدن" باعتماد الأساليب الخبرية في السرد العربي القديم تصير معها مقاطع الحكاية بمثابة أخبار تحيلنا الى الأصمعي وحماد الراوية والجاحظ، ولا يعوزنا خلالها سرعة ملاحظة تأثر الكاتب بمحمود المسعدي (مذكور في عدة هوامش من الرواية) سواء في طريقة نحت الجملة أو إسباغ نزعة فلسفية على مقاطع كثيرة من الحكاية.
الفصل الأول: اللعنة
جرداء جوفاء هذه الأوطان، عليلة مريضة هذه المدائن، سليل الوجع تأوهها،غريمها مخاوز مخبول يرعى شزا أجدب بليد ويعتمر ظل ضلال مقيت، يخبو صلح الأوس وعقد الخزرج ومبايعة النصارى وبيعة يهود السفارة، لكن الأشاوس حلت ومضت قدما وغرغرت يقين الحق إكسيرا انتعشت له الأغصان سخاء رطبا، مخصبا مدرا، وانحلت أسياخ الأطياف وهلكت في جذام أفعالها ودنف أعمالها، وانهالت على السندان مطارق القسط واليقين، فاستوى الاعوجاج وحل القوام وانقشع الرهاب، وسويت معادلات الضيزى واعتدلت، من الإسراف إلى الإستواء ومن السرف إلى الإسواء.
مشهد من الرواية

غلاف الرواية
الفصل الثاني: جوقة الظلام
امتعاض وامتهان، امتنان وقربان، نفوس صامتة ووجوه واجمة متلبدة، منفوثة مبثوثة، تتأمل في أذكار خاشعة تنظر وتقبع صوت ركز ملك، تتطفل فوقها ديدان متكابرة لونها يحمل دكانة المكان وفظاعته. ضمن ردهة المكان أسيجة مزدانة تعلو قماءة الأتربة، تحاول نثر بهجة مظلمة تحدوها حلل الورد وسلاسل منمقة وصفائح مرقمنة ونفس يطفو عليه أخضر اللون رغم اصفرار المكان وحمرة تربته، وجفاء زمانه وجفاف مكانه. فيه اصطفاف وقرابين، وأمة تحمل البيان والتبيان، جموع مصطفة بنسق مترابط غير متزامن، أفئدة هذه البشر واجمة، قابعة. مدينة ماذا؟ وقفار من؟ وأي تنظيم سيبراني بهذه الجموع؟ الكل واجم قابع، مسكنات أعطيت لهذا البشر أم أنه تحنيط قديم، ووأد جماعي. لا ألسنة تنطق ولا أطراف تتحرك، حالات السكون باهتة، لا رعشة، لا طرفة أعين ولا جفون تغمض، نائمون هم حتى يوقظون.

مراجعة لرواية حمير المدائن